
أمسكَ الفتى يدَ أبيهِ الذي تسمرتْ عيناه على مشاهدِ الدماءِ، والقتلى … صوتِ الصراخِ، و رائحةِ الدخان على شاشةِ التلفاز … و التي كأنما ملأتْ الغرفةَ، و هزها بقوةٍ. و قال الفتى: كلُ يومٍ يا أبي ….. كلُ يومْ !! … لا شيءَ يتغير و لن يتغيرْ … همُ الأقوى .. و سيفعلون كلَ ما يشاؤن. كادتْ مقلتا الأبِ تتدحرجان من عينيهِ، و أرتفع َصدرهُ يكادُ يفقدُ أنفاسَه ليسَ من دهشتهِ لما قالَ فتاه …. بلْ لأنه اكتشفَْ أنه لا يستطيعَ نفيَ ما قالْ ابنه. قطعَ صوتُ الجدةِ الجالسةِ في زاوية ِالغرفةِ بجانبِ المدفأةِ الصمتَ: هل ْتعرفُ حكايةَ الجبارِ يا ياسرْ، سألتْ الجدة الفتى. أجابَ الأبُ و الإبنُ .معاً: .لا…. ْأفسحت الجدةُ مكاناً لياسر على الأريكةِ الكبيرةِ و المغطاةِِ بغطاءٍ من الصوف . قفزَ الصغيُر الى جانبها … و لحقهُ أباه
في بلادٍ شاسعةٍ … مترامية ِالأطراف، كثيرةِ الناس، و وفيرةِ الخيراتِ، كان تاجرٌ يسمى هارون رزقهُ اللهُ من كلِ البركاتْ. كان كثيرُ المالِ و العيالِ، إلا أنه كان مغروراً متغطرساً متعالْ. استطاعَ بمالهِ شراءَ كلَ شيءٍ … حتى إشترى ذمةَ الأمراءِ، و استحوذَ على السلطانِ. تحكمْ في البلادِ كيفما شاء، و قد اشتري كلَ طيبٍ حسنٍ فيها، واستعملْ زبانيتِه على كلِ خيرٍ و رزقٍَ فيها. كل منْ عارضهَ أو عصى له أمراً فشلَ و خابْ، و بعدَ حينٍ خلفَ الشمسِ غابْ. أرهبَ الناسَ، و نشر َبينهم الفتنْ، و فرقَهم أشياعاً ومللْ، و سخرَهم عبيداً في مُلكِهم، و جوعَهم و … هم يزرعون بأيديهم .قمحَهم و أَرزَهم، و يعصرون زيتَهم. أرهبَ العبادَ .. و ظنوا أن الجبارَ كما أَسموه قدرَهم الذي لا مفرَ منه
كانَ الجبارُ يجلسُ في مجلسهِ في قصرهِ الأبيضِ المنيفِ في بهو ٍأعمدتهُ من الذهبِ، و أنيتَه من الفضةِ، و حولهُ الناسَ مطأطئةِ الرؤوسِ، منكسرةَ النفوسِ، لا تستطيعْ أحدٌ النظرَ في عينيهِ مهابةً و خوفاُ، و لكنهم كانوا يناظرون سبابته التي إذا ارتفعتْ فقد انقضتْ الأمورُ، و نفذتْ الأحكامُ، و تمتْ الحاجاتُ. فجأةْ وقفَ الجميعُ، و صمتتْ الأصواتُ لقدومِ شاهين ابنْ الجبار … الذي بدأَ الكلامَ بصوتِ عالٍ يفتقدُ للتهذيبِ: أبي أريدُ نعامةْ…… نظرَ الجبارُ لإبنهِ قائلاً : ما النعامةُ يا فتى؟ ردَ شاهينُ قائلاً: لقد وصفوها ليَّ بأنهُا طائرٌ لا يطيرْ، يأكُل حتى الحديدَ شكلها غريب ٌو عجيبْ. .ارتفعتْ الرؤوسُ مع سبابةِ الجبارِ الذي أمرَ و قال : أحضروا لشاهين … النعامة
لم يمضِ من الوقتِ الكثيرِ، و دعا شاهينُ صحبَهُ من أبناءِ الأمراء و التجارِ.. ليحتفلوا بقدومِ النعامةِ. امتلأتْ القاعة ُبالحضورِ. و أحضرَ الرجالُ قفصاً ضخماً فيه طائرٍ مُلَجّمِ المنقار، مَُربطْ الأرجلِ، لُفَ جناجيهِ الى بطنهِ بقماشٍ أسودِ اللونِ. فُتحُ القفصُ، و أُفرجَ َعن ساقي النعامةِ، فوقفتْ النعامةُُ، و ارتفعت أصواتُ الإعجابِ و الانبهارِبين الحضور. أمسكَ أحدُ الرجال ِبالحبلِ الغليظِ المعلقِ برقبةِ النعامة ِو شدهَ حتى انخفضَ رأسُها، و قصَ اللجام َمن على منقارِها، فأصدرتَ صوتاً غريباً ترك صدى علياً … أثارَ الخوفَ و الهلع بين الجمعِ … مما أسعدَ الجبارُ و ابنهٌ. فِكوا جناحيهِ …… قالَ شاهين: و كذلكَ فعلَ الرجالُ ….. طائر ٌجميلُ اللونِ غريبُ المنظرِ … نفضتْ النعامةُ جناحيها فرحةً بالحريةِ للحظةٍ. و رفعَ الجبارُ سبابتَه في غرورٍ و ارتفعتْ معها عيونُ و قلوبُ الحضورِ، و قالْ مخاطباَ إبنه: ها قدْ أُحضِرتُ لكَ النعامةَ …. فماذا تريدُ بعد! نفضتْ النعامةُ جناحيها مرةً ثانيةً فطارتْ بعوضةٌ من تحتِ جناحها، و حطتْ بساقيها الطويلتين على سبابةِ الجبارِ فقهقهِ ضاحكاً و قالَ : وهذهِ البعوضةٌ سافرتْ من آخرِ الدنيا لتموتَ على سبابتي، و ضربَها بيدهِ الأخرى … فقتلَها. و أسرعَ واحدٌ من رجالهِ ليمسح َسبابةَ الجبارِ، و يزيلَ البعوضةَ .الميتةَ ، و نقطةَ الدمِ الصغيرة التي التصقت باصبعه
هو نهارٌ و مضى …. و رقدِ الجبارُ طريح َالفراشِ تأكله حمى الملاريا كالنارِ، لا يعلمون متى يفيقُ و متى ينام. و لم يُجّدِْهِ نفعاً ….. لا مالٍ و لا سلطانْ. غشيهَ الهذيانُ و أهلكتهُ الأوجاعُ، و ذهبَ حيثُ لا عودٍ و أصبحَ في خبرِ كان . لم يقدرْ عليه بشرٌ …. و ظنَ أنه ماكثٌ في الأرضِ، و كلُ ما عليها بإشارةٍ من سبابتةٍ مجبرُ الحضورِ .. سهلُ الإتيان. أمسكَ ياسرُ بيدهِ المرتجفة ِيدَ جدتهِ و قالْ: سبحانَ الله .. قدرتْ عليه بعوضة.
قصة جميلة ،أعتذر عن عدم تسجيل الإعجاب لأن خاصية الإعجاب لا تعمل عندى منذ حوالى العام