سيدةُ فرشاتي وألواني، و حاكمةُ الأمرِ على أرضِ لوحاتي. أرسمُ ما شئتُ بأيِّ لونِ و شكلٍ، أصححُ ما بها من تفاصيلٍ …. و إنْ جفتِ الألوان. سلطانةُ قلمي و صاحبةُ الورق و خليلةُ المعاني. أكتبُ ما شئتُ .. و كيفما أردتُ … و ما عنيتُ من المفرداتِ، و ألبس كلماتي ماشئتُ من الأثوابٍ، وأزينها بموسيقى من سجعٍ و اطنابٍ
و لكنَ الحياةَ ليست لوحةً نرسمها، و لا كتاباً نخطهُ باليمين، و ليست من الكرِم لتمنحنا من الألوانِ ما نشاءُ، و لا تسمحُ للقلبِ أن يفتحَ سراديبهُ المقفلةِ منذُ أزمانِ ، و يفرجَ عما به من أسرارِ
و تأتي أيامٌ كما تمضي .. لا نحسُ بها … ليس بها من ألوانٍ .. سوى أبيض و أسود، كما بعضُ البشرِ
و كمْ أحبُ تلكَ الأيامَ و هؤلاء البشر! أحبهم كثيراً .. أحب كيف أنّي أستطيعُ قراءتهم .. و لا أكذبُ فيهم بصري.. أراهم بلا رتوشٍ كأولِ الصبحِ قبلَ بزوغِ الشمسِ و طغيان نورها على الأشياءِ و الأحياِء … فهناك من ليسوا بحاجةٍ لألوانٍ … لتراهم أوضحَ و أصدقَ .. ليسوا بحاجةٍ لألوانِ لتراهم أجمل. تقرأُ الأيامَ، و حكاياتِ الزمانِ في تفاصيلِ وجوهمِ كسجلٍ صفحاتهُ مسجلةٌ في تعاريجِ بشرتهم. تفهمُ فرحهم، و تعذرُ غضباتهم، تستقبلُ حبهم .. أو تستعدُ لغدرهم
هناكَ من لا تضيعُ معهم .. و لا تفقدُ نفسك بينهم في منطقةٍ ضبابيةٍ …. كبقايا النارِ، أو غباِر الحريق
الأبيضُ و الأسودُ ملوك الألوانِ و حكمةَ الزمان و عنوانَ اليومِ ما بين ليلٍ و نهار، حيث لا يناقشكَ أحدٌ في معاني الظلمةِ و النورِ، و لا يجادلك عقلكَ …ما الفرقُ بين الخطأ و الصواب