
ٌتدور بنا و لا نحس بهذا الدوران لأننا ملتصقون بجاذبيتها، تماما كما تدور بنا الأيام مربوطين بمشاغلها و أحداثها. تدور بنا الأرض ونحن قيام كما و نحن نيامُ مع كل تعاقب لليلٍ و نهار. تمضي بنا سنون العمر، و تتعاقب فيها الفصول، و ينبت فينا الأمل كبراعم الربيع، و يتفتح في صدورنا من الزهر ما ينسينا أسماءَ الأيام و التواريخ. و يأتي خريفٌ يتساقط من أعمارنا ما تلف و جف من مشاعرنا، و من علاقاتنا بالناس و الزمان والمكان ، و لكن الأمل و الرجاء يتجدد فينا كلما أتي الغيث و أمطرت السماء. ما أكثر الدوائر من حولنا و في حياتنا، فالقمر سمير العتم و ونيس الساهرين كرة دائرة، و كان لزاماً على كل دائرة آن تدور، و الشمس و إن كانت و لا زالت تدور في ثبات في مكان الزمت فيه عن بقية الكواكب و النجوم لا تتخطاها ….. ، فتقترب فتحرقها و لا تبتعد فتجمّدها ، وفي كلاهما موتٌ و خراب.و كيف ذلك يكون و هي آم الحياة في الكون و .آصل النور! فالشمس في دورانها و بقائها ….. عبرة و درس في القرب و البعاد
الدائرة رمز الحركة و الاستمرار و الديمومة، الدائرة هي أجمل الأشكال الهندسية و أكثرها عدلا في نظري، فهي الوحيدة من دون أقرانها التي تنصف من استقام و اعتدل في منتصفها ليكون على نفس المقدار و المسافة من كل أطرافها ….. الدائرة مثال حي للاعتدال و الحياد . الدائرة تحتاج لفضاءٍ و مساحةٍ من حولها لتدور ……. كالفكرة تحتاج لحرية و مساحة من فراغ الذهن و خلو البال …. لتكتمل و ترى النور.
الدائرة هي رمزٌ و قناعة …. بل أكثر من ذلك هي ايمان بأن كل ما علي الأرض متغير، و تدور عليه الدوائر من سنن الكون، و متغيرات الطبيعة و من طبائع البشر، و ليس عليها من ثابت لا يتغير ……. سوى الله الباقي و الدائم. و استحضر المثل القائل : دوام الحال من المحال ، و قالوا في الأمثال: “علي الباغي تدور الدوائر.” فلا يغرنك جبروت الطغاة و ان علوا في الأرض حيناً من الزمان ، فالتاريخ قصص تدور أحداثها، و يتغير طواغيتها و أبطالها، و لكنها تعيد نفسها لتذكر الإنسان أبو الأمل .وخليل النسيان بأن دوام الحال من المحال. و أقول هنا :تدور دوائر الأيام لا الحزن فيها باقٍ و لا الفرح مكتوبٌ له الدوام.