عالم الألوان

ِللألوانِ عالمٌ لطالما عشقتهُ، فما أن تمسكَ يدي بالفرشاةِ، و تبدأ الفرشاةُ تداعبُ الألوانَ …. حتى أحسُ أني موسيقارٌ قد بدأ بعزفِ قطعةٍ موسيقيةٍ لم تكتب بعد. أأغرق في الألوان ….. أم في الألحان .. لست أدري! كلما انسابت الألوانُ على اللوحةِ البيضاءَ … أحسستُ كمن أبحرَ في بحرٍ عميقٍ ، و كل كائناتِ البحرِ الملونةِ تدور من حولي كأنهم كورالٌ يشاركني الغناءَ على وقعِ أنغامِ فرشاتي، فأحسُ بالنشوةِ التي تسكرني حيناً و أخرى توقظني حين تضيقُ أنفاسي، و أحسُ أنَّي أبحرت أكثرَ مما يجبُ … و أنَّي أكادُ أن أغرق.

كلُ الألوانِ التي لبست شخوصَ الوردِ …. مكفولةُ الحقِ في الجمالِ و الوجودِ تحتَ الشمسِ و في البستان، وفي استحقاقها للماءِ يرويها، و الهواءِ يحيِّ قلبها و رئتيها. و لكن على اللوحةِ لا تتساوى الحقوقُ، و تعاني الألوانُ الظلم َو العنصرية حين تحب لوناً أكثرَ من غيرهِ، أو يطغى لونٌ تعشقهُ على سائرِ الألوان. و لكن الحقيقةَ تبقى فالأصلُ و السيدَ و السلطانُ للونيين الأبيض و الأسود. هما من يضعان الحدودَ لكلِ شكلٍ و شخصٍ ،هما من يحددان الضوءَ و الظلمةَ، و عمقَ الأشكالِ و ارتفاعها، هما بدايةُ الرسمِ، و اكتمالُ اللوحةِ. و كما هي الحياة ….حين تتوالى الأيام ُ، و تتغيرُ النفوسُ، وتلزمكَ المواقفَ أن تضعَ حدوداً لما تراه قد حادَ عن الأصلِ … مما هو ابيض ٌوما هو أسودُ …… ما هو خطأٌ و ما هو صواب..

استوقفتني الفكرةُ .. و أصابتني بالهلعِ حين أدركتُ أنِّي أنا سلطان ُهذة اللوحةِ و الحاكمِ، و ولي أمرِ هذه الألوان. طالعتُ تفاصيلَ الفرشاةِ كما لو كانت أداةَ جريمةٍ، و ليس كقيثارةٍ كما ظننت، و ألقيتُ نظرةً الناقدِ للوحةِ و الرسمةِ، و بدأتُ بمراجعةِ التفاصيلِ الصغيرةِ، و كيف أنصفتُ الألوانَ حقها، و متى ناصرتها باللونُ الأبيضُ …. بالضوءِ و بالوجودِ، و كيف أطلقتُ يدَ الفرشاةِ للونِ الأسود ليخفيها ….. أو ليوقفها عند الحدود. كم هي صعبةٌ تلك المسؤوليةِ، و كم هو صعبٌ أن تكون المتهمَ، و أن تكونَ القاضي في نفسِ الوقت.

كان الحكم ُقاسياً حين اعترفتُ أني رسمتُ من خيالي، و ليس من الواقعِ، و إن شفعتُ لنفسي ولفرشاتي تحيزي لبعضِ الألوانِ ….. لتبدو الأشياءَ و الأشخاصَ و الأشكالَ أجمل مما هي في الحقيقةِ. سامحتُ نفسي لأني وحدي من يملكُ أمرَ هذا المسرحِ الصغيرِ، و عزفتُ فيه ما أحبُ من الموسيقى و أن كانت الدعوةُ عامةً لكلِ الناسِ، فأنا لم أرغمْ أحداً على حضورِ الحفلِ، أو سماعِ عزفِ الألوان.

ن

2 Comments اضافة لك

  1. أفاتار ابو كرم ابو شاويش ابو كرم ابو شاويش كتب:

    يا للاحاسيس الراقية…فعلا فنانة جادة و ..كاتبة و مواضيع متنوعة و رسومات و شعر و وصف عميق تجعل القارئ اللحظة..يدوم العز علي اهلة

  2. أفاتار ابو كرم ابو شاويش ابو كرم ابو شاويش كتب:

    يا للاحاسيس الراقية…فعلا فنانة جادة و ..كاتبة و مواضيع متنوعة و رسومات و شعر و وصف عميق تجعل القارئ يعيش اللحظة..يدوم العز علي اهلة

أضف تعليق