
قالوا لنا أن الإنسانَ لا أجنحةَ له، و لكنه يستطيعُ الطيرانَ كالطيرِ إن شاء.. فما هي إلا فسحةُ الخيالِ تأخذك حيثُ تريدُ أو أبعد….. هذا ما قالوه لنا حين كنا صغارا. و حين بدأنا نكبرُ، و تكبرُ معنا أحلامنا التي حلقت معنا في فضاءاتٍ لا متناهيةٍ، و بنت في عقولنا بنياناً مشيدةً، قالوا لنا: أفيقوا وعلى الأرضِ سيروا بالأقدامِ، فمن يعيشُ في الأحلامِ ، نائمٌ لا يفيق، و واقعُ الحالِ يشبهُ فيه النيامُ… الأمواتَ لا الأحياء.
و كبرت فينا الأيام، و مشينا على الأرضِ سنينا، و نسينا الأحلامَ، و قد شغلتنا الدنيا بالركضِ في دروبها … نسعى للرزقِ و العيشِ و نسينا تلك المدنَ التي رسمناها في الخيالِ، ولا زالت تنتظرُ السكانَ، و لا زالَ الشجرُ أخضرا، و الوردُ موسمه الربيعُ بكلِ الألوانِ ينتظرُ من يزورُ البستان.
ما بين فسحةِ الخيالِ و حدودِ العقلِ .. تسكنُ فينا قدرةُ الاحتمالِ، و الصبرِ على نوازلِ الأيام. كبرنا و لا زالَ يسكنُ الشكُ في زاويا الصدرِ الذي يلتحفُ الواقعَ خشيةَ أن تلفحه من رياحِ الخيالِ نفحة ًباردة ً توقظُ فيه أحلامَ الطفولة ، و منى الصبا، فتبعدُ خطاه عن الطرقِ المرسومة بالخطوطِ الحمرِ، و القواعدِ الصفر، و تعهداتِ حسن السير و السلوك. فسحةُ الخيالِ التي غيرت كلَ الكونِ من حولنا فوصلَ مقتنعي الخيالِ المفتوحِ آفاقَ السماءِ، وغفوا على أسرةِ السحبِ البيضاءَ -و طاروا بمركباتٍ فضائيةٍ لا بأجنحةِ خيالِ النائمين- أبعدَ من المجراتِ و الكواكبِ، و آخرين غاصوا و نازلوا في البحرِ الحيتانَ، و ظلماتِ العتمِ، و رأوا عوالمَ آخرى… لا يُمشى لها بالأقدام.
كبرنا و لم نعد صغارا، و كثرُ ما نسمعُ عن المستحيلِ، و عن صعبِ المنالِ، كبرنا و عزَ علينا النومُ، و لم يعدْ لدينا وقتٌ للأحلام . و إن شكوت أو تذمرت، أو جرؤت فاستنكرت …. لقالوا لك الرضا كنزٌ لا يفنى، و العقلُ اعقله لا تفلتْ له الزمامَ، و فالمرءُ رهينٌ بما تفوهت به الشفاهُ، و بما مشت له الأقدام. و تبحثُ عن الطفلِ فيك، وعن الصفحةِ البيضاءَ التي لم يخطها القلمُ بعد، وتصيبكَ الدهشةَ أنك لم تترك صفحةً بيضاءَ واحدةً … و لا حتى سطراً … إلا و كتبته على عجالةٍ. و تقرأُ ما كتبت .. و تذهلكَ رداءةَ المفرداتِ و ركاكةَ اللغةِ التي كتبت بها أيامك. و تتسآل .. أحقاً.. هذا أنا؟
قالوا لنا حين كنا صغاراً: النسيانُ … هو ممحاةُ لأحداثِ الماضي، و حين كبرنا قالوا لنا: ليس لكتابِ التاريخِ و الأيامِ من تصحيحٍ أو تمحيص، فما مضى ماضٍ في حكمه و أحداثة، و لكن التغاضي جائزٌ، و الأولى التركيزُ على الحاضر. قالوا لنا: الصغيرُ يكبر و الكبير يظل كبيرا…. و يتساءلُ الطفلُ فينا … ترى ما هي الأشياءُ التي لا يجبُ أن تكبرَ معنا … أهي الدهشة .. أم الفرحة… أم فسحة الخيال .. أم فرجة الأملِ أم حسن الظنِ. اسألوا الصغارَ لربما صدقوكم القولَ …. حين يكذبُ الكبار.
*دوما رائعة*
الكبار فعلوا لنا ما استطاعوا ان يفعلوه..لم يخدعونا و لكن أرادوا لنا اوقات وردية..رحم الله من رحل و عفر لة و طال الله في عمر الجميع..
اللهم امين
وتبقى فسحة الامل