
هل سبق و قرأت قصة الأرنب و الجزرة؟ هي قصة كانت مقررة في منهج الصف الثاني الإبتدائي في مدرستي التابعة لوكالة الغوث في غزة في فلسطين. في حصة اللغة العربية، و كانت الحصة الأولى في ذلك النهار، و لازلت أذكرها واضحة كأنها الأمس القريب، دخلت مدرستي الشابة الأبلة ربيحة الفصل، و بيدها مجموعةً من ألواحِ الكرتون، توقفنا جميعاً عن الصياح و الكلام، و وقفنا احتراماً و بكل هدوءٍ، و رددنا عليها الصباح، ثم جلسنا بصمتٍ و ترقبٍ، و نحن نطالع الألواح التي بدأت بصفها واحدٍ تلو الآخر على حافة السبورة الخشبية السوداء التي غطت جدار الحائط. صورةٌ لأرنبٍ صغيرٍ أبيض اللون و أمه … وأمامهما صحنٌ من الخس و الجزر، ثم لوحات أخرى واحدةٍ عليها صورةٍ لكلبٍ وأمامه صحن من العظم، و ثالثة لقطةٍ وأمامها صحنٌ به سمكة،، و الأخيرة عليها صورة لحمارٍ يأكل تبناً. القصةُ تحكي عن أرنبٍ صغيرٍ مّلَّ من أكل الجزر و الخس كل يومٍ، و طلب من أمه تغيير الطعام، و لكنها أخبرته أن هذا ما يأكله الأرنب، و عليه أن يحمد الله على النعمة، و أن يرضى بها، و لكن الصغير لم يقتنع و ذهب في الغابة يمشي … و مضي يسأل الحيوانات الأخرى ما تأكل . شارك القطة و الكلب و الحمار طعامهم، و لكنه لم يستسغ طعامهم، و عاد للبيت جائعاً و أكل من الخس و الجزر، و نام و هو يحس بالرضا و الشبع. لم ينتهي دور الأرنب في مناهجنا الدراسي عند هذا الحد بل كان بطلاً لقصةٍ أخرى.. و لعلكم تعرفونها قصة الأرنب و السلحفاة! حيث شارك الأرنب و السلحفاة في سباق للجري و المنطق يقول أن الأرنب من أسرع الحيوانات ، و أن السلحفاة من أبطأها على الاطلاق. و لكن الغرورَ دفع الأرنب الى الكسل و التراخي.. حتى أنه نسي وقت السباق، ولكن السلحفاة التي لم تهدأ … أو تتوقف عن المشي البطيء المرهق لحظةٍ، وصلت خط النهاية قبله …. و فازت عليه.
لقد صُممت تلك المناهج للاجئين الفلسطسنين الذين أرغموا بالقوة و الخديعة على مغادرة بيوتهم و أراضيهم و حقولهم فساحوا في الأرض حيث استطاعت أرجلهم المتعبة المشي و انحنت ظهورهم التي حملت الشيوخ و الأطفال و بقايا من متاع يسترهم من الوصول و الإستقرار. و أذكر مُدرستنا ربيحة و هي تسألنا- بعد قراءة القصة و مشاهدة الصور، و ربطها بالأحداث- ماذا تعلمتم من الأرنب ؟ أذكر أنا قلنا -بحماسةٍ شديدةٍ شاركنا فيها جميعاً بكل حماسةٍ- تعلمنا الرضا و أن نشكر الله على النعم، وأن القناعة كنز لا يفنى، و أن نطيع أمنا، و أن نسمع كلامها . كانت مدرستي تجمع ألواح الكرتون، و تلملم دفاترها من على الطاولة الخشبية … حين أقتربت منها و سألتها بصوتٍ منخفضٍ خشيةَ أن تسمعني زميلاتي في الفصل: أبلة ربيحة إن أكل الأرنب الخس و الجزر كل يوم و هو راضٍ.. هل كان سيتعلم هذه الدروس …. و أشرت بيدي الى قائمة الدروس التي تعلمها الأرنب، و التي كتبتها مدرستي على السبورة؟ … نظرت اليّ و قد علت على ملامح وجهها البغتة و الدهشة … ثم .. و فجأة علا صوتها بالضحك مما لفت نظر الطالبات جميعاً. اقتربت أبلة ربيحة مني، و حضنتني بقوةٍ و هي تهز رأسها، و لا زالت تضحك و قالت: راوية .. أجبت و أنا مرتبكة و وجلة: نعم. قالت لي: لا أظن الأرنب سيتعلم أيَّ من هذه الدروس إن لم يجرب غيرطعم الجزر و الخس… و لكن ليست كل التجارب مجانية و سهلة … ستعلمك الأيام معنى ذلك. لم أفهم و مضت الأيام.
الأرنب بطل لكثيرٍ من حكايات الأطفال لأنه مشاغب، و لكنه جميل و رشيق، و لديه القدرة على التكيف و العيش في كل مكان، ولكنه أيضاً مغرور و سهل خداعه و تضليله. هذا ما ارتبط بذهني عن الأرنب منذ صغري. اليوم و بعد سنين طويلة و من احداث كلِ يومٍ المتتابعة، و التي تعيد نفسها كالخس و الجزر على مائدة الأرنب الصغير الذي حاول تغيير مائدة طعامه و ترك البيت يسأل ما مذاق الأيام و ما لونها لدي رفاقه .. و تحضره المفاجأة و تحاصره.. أن الرفاق لا يقدمون الطعام بالمجان، و أنه لا غذاء بلا ثمن، و أن جيوبه خاوية من المال و أنه لا يملك سوى قليل من ورقٍ و دعاءِ والديه له بالستر و النجاة.
كنت أشاهد برنامج وثائقي عن الطبيعة وعن حجم الدمار و التهديد الذي وقع للغابات و تأثيرها على الحيوانات و النباتات. تذكرت الأرنب بطل طفولتي … أين سيعيش و ماذا سيأكل؟ لن يكون هناك خس و لا جزر! لطالما كانت الحيوانات أبطال قصص الأطفال على سبيل المقاربة للفهم و التصور لأنهم جزء من الواقع المحيط بهم، فإن كانت ستختفي عن سطح الأرض كما يحدث الآن، و نرى قصص الأطفال و برامجهم التلفزيونية من بطولة كائنات خرافية … نصف انسانية و نصف حيوانية و بصفات خارقة و قدرات عجيبة .. فهل لهذا الجيل سبيلٍ من المقاربة أو المقارنة للفهم العقلاني. إن كان المقصود من مناهج التعليم التي صممت لنا كلاجئيين في تلك الحقبة أن تعلمنا الرضوخ للأمر الواقع ….و الإستسلام …لا الرضا و القناعة، فيا ترى ما هي المقررات التي صممت لأولادنا، و التي يمشون على خطاها دقيقةٍ بدقيقة …. عبر الهواتف الذكية و برامج الإنترنت و الفضائيات…….ترى ما التجربة الجديدة التي سيخوضها الأرنب اليوم و ما الثمن؟
بالرغم أن الخس و الجزر أصبح صحن سلطة لذيد يأكله الجميع برضا و استمتاع مع بعض الإضافات … إلا أن أرنب اليوم …. يظن أن هناك ما هو ألذ و أطيب، و لا يكترث كثيراً لثمن الوجبة الجديدة …… فبالتأكيد هناك من سيدفع الثمن.
الله ما اروعك.. مزج الأحداث مثير و راقي …الحقيقة يا ابلة راوية يا بنت القدس من يوم ما صار الجزر يدخل الاكل في غالبة ..أصبحنا أرانب…
للاسف الارنب اخوف الحيوانات واجبنها ويقبل اي شيء وهذا ما ارادوا ان يدرسوه للطلاب