
نظرَ من نافذةِ الطائرةِ الصغيرةِ إلى السحابِ الأبيضِ الناعمِ المنفوشِ على رأسِ الأفقِ كحلوى شعرِ البناتِ، ذلكَ الذي يُشعركَ بالرغبةِ في الاستلقاءِ، أو في احتساءِ شرابٍ ساخنٍ بصحبةِ حبيبٍ أو صديق.
و للحظةٍ تخيلَ نفسه يفترشُ تلكَ الغيمةِ البيضاءَ الممتدةِ كسريرٍ فُرِشَ بالوسائدِ الناعمةِ، كأنما غُزِلت بصنارةِ أُمِهِ … و أنها قدْ أرسلتها على ظهِر الريحِ خصيصاً لهُ … لأنها تعلمُ أنه مسافرٌ، و يلزمهُ أن يستريح. تذكرَ عينيها المغرورقتين بالدمعِ عندَ الوداعِ الأخيرِ، حينَ احتضنتهُ طويلاً … طويلاً ،و أجرتْ يديها كالنهِر الباردِ العذبِ الفراتِ على جسده … من رأسهِ حتى جنبيهِ .. كانما تغسلُ روحهُ من الألمِ و العناءِ، و تلبسهُ من دعائها الأملَ و الرجاءَ … درعاً يحميهِ من صروفِ الأيامِ و الحسادِ و الأعداء.
رحلتْ و تركتهُ، وحيداً .. و الدنيا و طواحينها، و لكن درعَ دعائها كان دائماً سلاحهُ الأولِ و الأخير. نالَ من الدنيا الحظَ الكثيرَ، و حين امتلكَ كلَ ما اشتهى من صغيرِ شأنِ و من كبير … بكي و اشتكى. أدركَ أنه ما أرادَ إلا ذراعين تدفئان قلبهُ الثائرِ.. و تأسرآنه من وساوسَ نفسهِ … و من الدنيا التي لم يعد له رغبةً فيها، و قد أعطتهُ….. كلَ ما أراد.
و من نافذةِ الطائرةِ .. و من علٍ اكتشفَ أن ما على الأرضِ كاذبٌ و خداع .. و مجردُ متاع، و ليس هو المنى ولا المراد … و أنَ ساعةً بصحبةِ أمهِ ….. هي كل ما ينقصهُ …. و كل ما أراد. بكى لأنه تذكرها حين قالتْ له ذات يومٍ -و قد اشتكى لها من شظفِ العيشِ و قلةِ حيلةِ اليد-: يا ولدي أن كنت جائعاً و اشتهيت رغيفَ الخبزِ تأكلهُ … فافرح، و إن تمنيتَ الثوبَ الجديدَ تلبسهُ … فافرح، و إن رغبتَ في لقاءِ الناسِ و زيارتهم .. فافرح. فو اللهِ حينَ تنالُ كلَ ما تريدُ … ستبكي هذهِ الأيامَ و تفتقدها، لأنَ السعادةَ في نقصِ الأشياءِ، و في المشقةِ في اقتنائها …. و ليسَ في امتلاكها و اكتمالها.
احسنت الله يفتح عليك
اللهم امين و إياكم عزيزي
و ما نيل المطالب بالتمني
و لكن تؤخذ الدنيا غلابا
رائعة و تزداد روعة يا ‘بنت القدس’ حماكي الله ..الف شكر
شكرا استاذي الفاضل