عنكبوت

on

spider

أطلتْ الشمسُ كملكةٍ، و تطلعتْ إليها العيونُ عالياً حيثُ عرشهُا السماء، و أدخلتْ يدها في جيبها و أخرجتْ لآليءَ و دنانيرَ من ذهبٍ و نثرتهم عطايا من العلياء، رفعتْ الشجرةُ أغصانها و فتحتْ قلوبَ أورقها تستقبلُ هدايا ملكةِ النورِ لتبدأَ يومها، و قدْ تشرفتْ و تزينتْ بالبهاء.  لمعتْ من وسطِ صخبِ رفيفِ الشجرةِ الفرحةِ بالصبحِ … خيطانٌ بدأتْ تأسرُ بعض من فرحِها و تمنعها فجأةً عن الحركةِ و النداء. و إذ بعنكبوتٍ قدْ بدأَ ينسجُ نجمةً ذهبيةً على طريقتهِ الخاصةِ، و لا زالتْ خيطانهُ الذهبيةُ  تتسللُ خلسةً تأسُرالأغصانَ الرفيعةِ و الأوراقَ الغضةِ خلفَ قضبانِ شبكتهِ . تعاطفتُ كثيراً مع الأورقِ و الأغصانِ، و بدأَ القلقُ و الأسفُ يملؤني لِما آلتْ إليه سمفونيةِ الشجرة ِالفرحةِ كما لو كانتْ عروسٌ قدْ أعدتْ لحفلِها كلَ ما يبهجُ، و إذْ بطاريءٍ بغيضٍ ينغصُ فرحها . و لكنَ ذلكَ العنكبوتِ النشيطِ الذي أخذَ يدورُ بينَ الخيوطِ برشاقةٍ أنيقةٍ ودقيقةٍ بدأَ يسلبُ انتباهي و يستحوذُ على إعجابي . بدأتْ الخيوطُ الذهبيةُ المتأرجحةُ معْ كلِ نسمةٍ تتراقصُ تعكسُ أنواراً كأنها رسائلُ غراميةٌ لحبيبٍ غائبٍ أوأشاراتٌ ضوئيةٌ لعابرٍ سبيلٍ ضلَ الطريقَ. كنتُ أنتظرُأنْ ينتهي العنكبوتُ من نسجهِ و قد غشاني الإنبهارَ و نسيتُ أين كنتُ ذاهبةً ذلك النهارَ، و لكنه لم يتوقفْ يُنَقِّلُ قدميهِ الرفيعتين من خيطٍ لخيطٍ و يقفزُ حيناً آخرَ ليشبكَ خيطاً بآخر ،و لستْ أدري لم تذكرتُ راقصةَ الباليه النحيفةِ الرشيقةِ و هي تعلو حيناً و تهبطُ حيناً كالفراشة . أنعشتني تلكَ النسمةَ الباردةَ و الريحَ الخفيفةَ التي أثارتْ شجونَ الشجرةِ فدقتْ الأوراقُ الدفوفَ، و أهتزتْ الأغصانُ تتمايلُ على وقعِ الموسيقى ،و منْ على جانبي طارَ غصنٌ جافٌ رفيعُ صغير -ودعه الشبابُ و ألقى بهِ الصيفُ على الأرضِ- طارَعلى جناحِ النسمةِ المسافرةِ، و قدْ أسكرتهُ نشوى الحفلِ الغنائي ليعانقَ الشجرةِ و أوراقها يودعها الوداعَ الأخير، و لكنْ بوصلتهُ الهرمةَ رمتهُ في أحضانِ بيتِ العنكبوت. زفرتُ الآهَ  كسهمٍ اخترق ضلوعي و أصابَ قلبي بالوجعِ… لست أدري أخوفأ على النجمةِ الذهبيةِ الجميلةِ التي زينتْ صدرَ الشجرة؟ أم خشيتُ من غضبةِ العنكبوتِ على الزائِر الغريبِ الغاصب؟

لمحةُ بصرٍ و انهارتْ كلُ مداراتِ النجمةِ الذهبية، و تناثرتْ خيوطُها مع نسمةِ الهواءِ الباردةِ، وعلقت  في كلِ ناحٍ كسفينةٍ دمرتها عاصفةٌ هوجاءُ، فتناثرتْ أشلاءً على كفةِ اليمِ الصاخب. تسمرتْ عينايَّ على العنكبوتِ الذي لم يكفْ للحظةٍ عن العملِ و الحياكة، أيغضبُ …. أم يبدأُ بالبكاءِ …… و لكنْ لدهشتي ….. و لأنفاسي التي بدأتْ تهدأُ …….. قفزَ العنكبوتُ لغصنٍ بعيدٍ و بدأ من جديد … بالنسجِ …و بالبناءِ

4 Comments اضافة لك

  1. رياض وادي كتب:

    سبحان الله فن الهندسة في البناء …ولكن ان اوهن البيوت لبيت العنكبوت

    1. rawmak كتب:

      سبحان الخالق العظيم

  2. ابوكرم حيدر ابو ساويش كتب:

    لقد حلق بي الخيال الجامح عاليا للملكة و كدت الامس تاجها الذهبي..شدني فنان رسم النجوم و انا استمع لسنفونيات و عزف اوراق الشجر…الكل يكدح رغم العقبات..و البعض يتهاوي كبعض الاغصان ..يا لك من عنكبوت كادح… لا تمل و لا تعرف الفشل و تبدأ من جديد..كما تبدأ الشمس من جديد…لقد رسمتي لوحة فنية تعبيرية متحركة تصاحبها موسيقي تصويرية رائعة… كما انت دوما أكثر من رائعة…انت قيمة أدبية ينبغي أن تحلق كشمس ذهبية دافئة في سماء الفن…ربنا يحفظك و ترجوا المزيد

    1. rawmak كتب:

      شكرا جزيلا .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s