كنت دوماً اسمعُ من يقول أن الإنسانَ سمي بهذا الإسم نسبة للأنسِ و الدليلُ كونُ الإنسانِ مخلوقٌ اجتماعيٌ، و يحبُ الجماعةَ و الرفقةَ و الصحبة. و قال بعضهم بل أقربَ نسبةً الى علاقتهِ الوثيقة بالنسيان، و الدليل أن الإنسانَ قلما يتعلم من أخطائهِ، كما و لايتعظ من سلبياتِ ما يحدثُ معه فلا يتعلمُ الدرسَ من المرة الأولى … لا من أخطائه و لا من أخطاءِ غيره.ِ، بل و الأهم من ذلك نسيانهِ ايجابياتِ ما لديه و محاسن غيره
كنت دوماً أتساءلُ كيف يتعاملُ كل انسانٍ مع نفسِ الحدثِ أو الأمر بصورةٍ مختلفة، و أدركُ تماماً أنها مشيئةُ الله في خلقهِ، و لكني أعلم أن كلَ مخلوقٍ يولدُ بفطرةٍ سليمةٍ، و يشكلُ أبواه شخصيتهِ بما يتعلمهُ منهما بالتقليدِ و المحاكاةِ أكثرَ من أيَّ شيءٍآخر. و هنا تبدأ دائرةُ البحثِ عن الإنسانِ السوي …. أولاً البيت ثم المدرسة ثم الحي و الرفاق ثم النظام الإجتماعي و الإقتصادي … نهايةً بإرادة الفردِ، و قدرتهِ على التعلمِ الفردي من أخطائه و أخطاء …. و نجاحاتِ الأخرين. أعجبني مثلاً صينياً يقول:” إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحاً ، و إذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة ، أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع إنساناً.” لأن الإنسان هو اقدر على عمار الأرض و اصلاحها شريطة أن يكون صالحاً .. أتدري لعل مئة سنة كافية لتعديل هذة الدائرة -دائرة انتاج الإنسان السوي- و وضعها في إطار سليم لتقييم و تقويم كل المسارات.و على أن البداية من البيت و من الوالدين و سلوكهما وجدت المثل العربي أصدق لساناً : من لا خير فيه لأهله، لا خير فيه لأحد.” و قد صدق المثل
ستمضي هذه الأيام و ستنتهي جائحةُ كورونا كما انتهى قبلها الكثير من جلل الأحداث بحلوها و مرها، و كما قالَ المثل الياباني:” هي نفس الحياة ، سواء قضيناها في البكاء أو الضحك.” و سننسى، و أكاد أجزمُ أننا لن نتعلمَ من دروسها الكثير …فهذا ما أثبتته الأيام تلو الأيام. سينسى كثيرون نعمةَ الأهلِ و نعمة الأمنِ و نعمة السترِ و نعمة العافيةِ و ينسى أن هناك من فقدوا كلَ هذه النعم …. فأمسى منهم الكليلُ و الفقيدُ و الرقيدُ و الوحيدُ و الغريبُ و السائلُ و المحرومُ. سينسون النعمَ و لا يذكرون سوى الهمومِ و الأخطاءِ و الحساباتِ و الأرقامِ التي ستسلبُهمُ الباقي من راحةِ البالِ و طمأنينةِ القلبِ …. التي وجبَ على كلِ عاقلٍ بالغٍ أن تكون هذهِ خياراتهُ و قراراتهُ الشخصيةِ الفردية، و هنا أيضاً يأتي مثلٌ صيني آخر يصدق ما يقول :” لن تستطيع أن تمنع طيور الهم أن تحلق فوق رأسك ، و لكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في رأسك.” تري أتستطيع أن تسيطر على نفسك! و أن تتخذ القرار بأن تتذكر ما لا يجب نسيانه
تُرى كم درس تعلمت من جلوسك في البيت … في الحجر !!!… كثيرة هي الدروسُ …. وقد تعلمت شخصياً ….. أولَ ما تعلمت أن من فرغَ قلبهُ من إيمانٍ و حبٍ …. …. فلا شيء في الكون يشغله أكثر من وساوسِ الشيطان و هواجسِ النفس المقلقة. و تعلمتُ أن وقتَ الضيقِ و المصائبِ … تعرف من تحب أكثر و ما تريد أصدق …. و ما تبغض و تكره … أكثر. علمتني الجائحةَ … أن ما حرصت على جمعهِ السنينَ … بما كسبته من شقاءِ العمر و السنين …. متاعاً زائلاً يمكنني العيش بدونه .. فما نفعُ التحفِ و الزينةِ و الثيابِ المكدسة …. فلست بحاجةٍ … لأصنام تنصبها و أثاثٍ و ستائر … بل بحاجةٍ لقلوبٍ تحسُ بك …. و تفتقدك بكلِ دقيقةٍ .. بشرٌ مثلكَ يبادلونكَ المحبةَ … و القلقَ إن لزمَ الأمُر. تعلمت أن الحياةَ التي كنا نعيشها مجمَّلةٌ .. بل مزيفةُ بلا معنى و لا قيمة.. و كلها تكشفتْ حين حلَ الوباءُ على المدينة. و بقي معنا ما كانَ باقٍ لا محالةَ ما زرعنا في أولِ العمر … من خيرٍ و حبٍ و وصلِ … و هنا تُكشفُ معادنُ الناسِ من رخيصٍ …. و من كريمِ الأصلِ
من المحن تولد المنح ويتعلم الانسان
نعم تلك حقيقة
ست راوية..كتابتك فاقت الجمال ..انت خبيرة نفسية رائعة و لا تخونك الفراسة و لا دراسة المواقف و التوصل لنتائج الموضوعية و اصدار الاحكام
شكرا أستاذنا الفاضل