أسندَ خدهُ على كفِ يدهِ … و ألصقَ جبهتهُ على زجاجِ النافذةِ، و نظرهُ شاردٌ …. كنسرٍ محلقٍ في الأعالي، و ليس له من وجهةٍ يقصدها … سوى فردِ جناحيهِ و السباحة في الفضاءِ الأزرقِ الرحيب. مرت من أمامهِ كحسناءٍ قطعت على العابدِ خشوعهُ … فتسمرتْ عيناهُ على الفراشةِ الملونةِ بالأحمرِ و البرتقالي و الأصفرِ و الأسودِ …. الذي زاد من جمالها و أظهره. و آه من الأسودِ …. و كلُ ما يحملهُ من المعاني و الذكرياتِ المؤلمةِ، و التي لولاها ما عرفَ قيمةِ و جمالِ الأحداثِ و الذكرياتِ والأشياءِ الملونةِ بالفرحِ في حياتهِ ….. و التي يفتقدها الآن
تهادت ببطءٍ شديدٍ على تلكَ النبتةِ الصغيرةِ على حافةِ الشرفة، و أرسلتْ قرني الاستشعار الى داخلِ الزهرةِ، و بدأتْ تمتصُ رحيقها … وحركتْ جناحيها بدلالٍ و تؤدةٍ، كأنما تحسُ بأنَ هناكَ من يراقبها. سبحانَ الله قالها …. و قد انفرجتْ شفتاه عن ابتسامةٍ تاهت في ضلوعهِ منذ أسابيع. عّدَّل من جلستهِ على الكرسي، و قد بدأتْ الأفكارُ تنازع بعضها في رأسهِ. و ترءى له استاذه اسماعيل- معلم مادة العلوم- و هو يكتبُ على السبورةِ مراحلَ نمو الفراشةِ، وهي تبدأ بكونها بيضةٍ صغيرةٍ، و تذكرَ أن الوقتَ كان في شهرِ رمضان و علقَ الأستاذُ حينها قائلاً: لا تفكروا إنكم وحدكم اللي بتصوموا و بتتعبوا-مشيراً باصبعهِ لزميلٍ له في الفصل و هو غارقٌ في النوم- الفراشةُ تصومُ في مرحلةِ اليرقة. كما و أن الفراشةَ في مرحلةِ الشرنقةِ … تعيش نوعاً من الحجرِ الطوعي …لتلفَ نفسها بالخيوطِ حتي تختفي لمدةٍ تصلُ أحياناً الى عشرين يوماً، و أكملَ: لكنها لا تكسل و لا تمل و لا تضجر و على العكسِ … فهي تقوم بلفِ جسمها بالخيوط ِللخلفِ و الأمامِ حوالي ثلاثمائةِ ألف مرة، ثم تتشكلُ الفراشةُ داخلَ الشرنقة، و تقومُ بفرزِ سائلاً يذيبُ كلَ الخيوطِ التي نسجتها حول جسدها طوال فترةِ الحجرِ لتستطيعَ الخروجِ للحياة
قطعت الفكرةُ تسلسلَ الذكرياتِ .. فحدثَ نفسهُ قائلاً: و آه من ذلكَ السائلِ العجيبِ، و ما أشبههُ بإرادةِ المرءِ منا ، إرادتهُ التي تعينهُ على اذابةِ خيباتِ الأمِل و الصعوباتِ، و تخرجهُ من أوهامِ التوقعاتِ و الأماني، ليفرجَ عن نفسهِ و يحيا حياتهُ بلا تجملٍ أوتصنع. عاودَ شريطُ الذكرياتِ الدورانِ من حيث توقفَ …تذكرَ ذلك اللوحِ الكرتوني الأبيضِ الذي حملهُ الأستاذ اسماعيل عالياً محاولاً شدَ انتباهِ الطلبةِ و قال: في حياةِ الفراشةِ كثيرٌ من العبرِ…. أتمنى أن تفهموها ذاتَ يوم، و أردفَ: إن حياة هذا المخلوقِ الصغيرِ عجيبةٌ …. فالفراشةُ دميمةٌ في أطوارها الثلاثة الأولى … البيضة و اليرقة و الشرنقة – لا تلفت انتباه أحد سوى طيرٍ جائعٍ أو حشرةٍ أخرى تراها وجبة طعام- و لكنها بعد الصيامِ و الحجر ِ …..تخرجُ في طورٍ جميلٍ و بديعٍ يستحوذُ الانتباه، و يستوجبُ الإعجابِ… بشكلها و ألوانها الرائعةِ.. و أشار بعصاهُ الطويلةِ الى صورِ الفراشِ الملونِ البديعِ الملصقِ على اللوحِ الكرتوني. أنزلَ الأستاذُ اللوحَ …. كما لو كانَ يسدلُ ستائرَ المسرحِ … معلناً انتهاءِ العرضِ، و قالَ بصوتٍ شاردٍ و حزين: يا أولاد انتبهوا الحاجاتِ الحلوةِ في هذه الدنيا … عمرها قصير زي عمرِ الفراش، و لكن الفراشَ يمضيها بالتنقلِ بين الزهرِ ….. يسْعَدُ بامتصاصِ رحيقه و استنشاق عطرهِ، و يُبهجُ من رآه بحسنهِ و جماله
و أسدلت الستائرُ على الذكرياتِ …و امتدت يدهُ لفتحِ الشباك بهدوءٍ … و لكن الفراشةَ طارت هاربةً….. و لكنه أحسَ بجناحي فراشةٍ قد التصقا بقلبهِ …… أحسَ بأنه خفيفٌ، و يكادُ يطيرُ في سماءِ الغرفةِ ….التي يراها الآن … وسعِ الأفقِ ….و قد ضاقت عليه قبلَ ساعةٍ من الزمنِ الماضى .. و قالَ محدثاً نفسه: غدأ سيكونُ أحسن من اليومِ … غدا سأكبرُ يوماً آخر ….. سأكونُ فيه أفضل …. غداً قد يكونُ اليوم الذي …. سأصبحُ فيه ….. في أجملِ أطوارِ عمري .. نهضَ نشيطاً … يملؤه الحماسُ، و قالَ محدثاً نفسه: و لكني سأنجزُ اليومَ …. ما يجب عليَّ أن أنجزه
شكرا وكل عام وانتم بخير http://www.meshwarmedia.com/?cat=1 الرئيسية — مشوار ميديا كشفت شركة Hongqi الصينية عن سيارة مميزة وصفها الكثيرون بأنها ستكون منافسا قويا لسيارت رولز رويس الفاخرة. http://www.meshwarmedia.com
Dr. Nazih Khatatba Meshwar Media Canada, Toronto 1-416-302-7664 1-289-652-5812 address : PO BOX 51053 1 – 70 EGLINTON SQUARE , SCARBOROUGH, ON M1L 4T2 http://www.meshwarmedia.com
________________________________
شكراً د. نزيه و كل عام و أنتم بخير
قام بإعادة تدوين هذه على وأضاف التعليق:
Rawyaart.com
جاء الوقت لنتعلم من الفراشة دروس وعبر