و مع كلِ واحدٍ منهم لهُ حكاية. فقد طابَ فنجانُ القهوةِ مع صحبةِ الأحبةِ و أنسهم، و ذاقَ مرارتهُ مع بعضٍ منهم … حين قلبته ُالأيامُ على نارٍ هادئةٍ…. لتحمصَ كلَ ما في عقلهِ من الفكرِ و المشاغل. و اليومُ و قد رحلوا جميعاً .. كلٌ الى غايتهِ و طريقهِ، و بقيَّ وحدهُ مع فنجانِ القهوةِ الذي أحضرتهُ الصبيةُ الحسناءُ القادمةُ من أقصى الشرقِ .. بإبتسامةٍ عريضةٍ و أمنياتٍ بأن يستمتعَ بمذاقِ القهوةِ الكولمبية. أمسكَ فنجانهُ، و ارتشفَ منه رشفةً .. أحسَ معها بصدى عاصفةٍ أهاجت ما هدأَ من شجونهِ لزمنٍ بعيدٍ … حينَ دخلَ زوجان في مقتبلِ العمرِ الى المقهى. كلُ ما في ملامحهما عربي و لسانُ حالهما ينطقُ .. بأنهما جديدان على المكانِ .. غريبان على الوقتِ الزمان
و أخيراً فنجانُ قهوةٍ على رواق.. و استطردت الزوجةُ قائلةً: ذهبوا للمدرسةِ .. جميعاً الحمد لله. ردَ الزوج: الشهر الماضي كان كالحلمِ المزعج … لا أصدقُ أني قد أفقت .. و أكملَ: الحمدُ لله كلِ الأوراقِ الحكوميةِ قد اكتملت ….. خلينا ترتب أمورنا الآن، و نشوف ايش لازم للبيت.. أرادت الزوجةُ أن تتكلم، و لكنه رفعَ سبابتهُ الناهرةِ .. و خدي بالك أنا ما بأشتغل و ما في راتب شهري … و هادي تحويشة العمر. هزت رأسها موافقة . و توقفْ الحوارُ حينَ أتت النادلةُ الحسناء تسألهم عن قهوتهمِ المفضلة
ملأتْ فوضى الفراغِ المشحونِ بالشجونِ رأسهُ، و أثقلتْ أنفاسهُ. استعادَ حواراتٍ و أحاديثَ مشابهةً لما سمعَ من الزوجين … من زمنٍ بعيدٍ. أحسَ بالذكرياتِ تقفزُ كلُ واحدةٍ خلفَ الآخرى كموجِ البحرِ… أيهمُ أسرع لتصفعَ منهُ الوعي، و توقظُ فيه الألمُ و الحنين. امتدتْ يدهُ تبحثُ عن فنجانِ القهوةِ، لعلهُ ينسيهِ تلكَ الذكرياتِ، أو تنقذهُ من العاصفةِ … ولكنهُ لم يفعلْ.. فهو فنجانُ قهوةٍ، و ليس كأساً من الخمرِ
أحسَ بمرارةِ القهوة .. و غادرَ المكانَ، و لكنهُ أدارَ وجهُ ليلقِ التحيةَ على الزوجين مشغوليين بكتابة قائمة تبدو طويلةً … و لم ينتبها له. نظرَ اليهما … و حدثَ نفسهُ باشفاقٍ …. نحنُ السابقون و أنتم اللاحقون…. أنتم القادمون الجدد و نحن القادمون الأوائل .. و كلنا غرباء و كلنا ألغازُ مبهمةٍ و مسائل
الغربةُ أم القهوةُ .. التي تركت تلكَ المرارةُ على طرفِ لسانهِ…. آه الغربة ….التي تطحنُ كل ما فيكَ من معالمٍ و مشاعر … سواءَ كنتَ .. راضٍ .. أم كاره …. تلكَ ضريبةُ البقاءِ و النجاةِ. و تبقى أنتَ .. أيها الغريبُ .. كالنكهةِ المضافةِ لفنجانِ القهوة … فرقٌ صغيرٌ ليطيبَ المذاقُ … لتحسَ أنَ القهوةَ مميزةٌ و أنها مختلفةٌ عن غيرها ….. فقط في ….من يصحبكَ و أنت تتناولها
تم نشر هذه الخاطرة على جريدة مشوار ميديا الكندية بتاريخ 5 سبتمبر2019 http://www.meshwarmedia.com
http://www.meshwarmedia.com/2019/09/05/%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d8%ad%d9%88%d9%86%d8%a9/
Dr. Nazih Khatatba Meshwar Media Canada, Toronto 1-416-302-7664 1-289-652-5812 address : PO BOX 51053 1 – 70 EGLINTON SQUARE , SCARBOROUGH, ON M1L 4T2 http://www.meshwarmedia.com
________________________________