يوم من الواقع

يوم من العمر

يتسللُ في صمتٍ خشيةَ أن يلحظهُ شروقُ الشمسِ، و يلملمُ ثيابهُ حولَ جسدهِ عساها تكفيهِ بردَ الصبحِ القارص.  يقتربُ من البابِ الحديديّ العتيقِ الصدىء، فيّؤز أزيزاً كأنما يوقظُ الشمسَ من سباتها. يسمعُ صوتَ أمهِ الناعسِ قائلة: محمود الله يسهل عليك يا ولدي .. و يرزقك و يحميك .. محمود اذكرْ ربك يا بنىّ. خرجَ مسرعاً ولا يزالُ صوتُ أمهِ يترامى لمسامعهِ و هي تدعو له. غابَ صوتها و لم يعدْ يسمعُ سوى صوتَ خطواتهِ و صفيَر الريحِ البارد. الحافلة ُسوف ترحلُ ان لمْ يسرع أكثرَ، و تتركه على قارعةِ الطريق … يوسعُ الخطى، و يلحقهُ اّخرٌ من بعيدٍ و ينادي: يا خويّ استناني… زوجتهُ عندَ البابِ تمسكُ بيدِ طفلٍ صغيرٍ تمنعهُ من الركضِ خلفَ أبيه، و ينادي الصغيرُ: يا بويّ لا تتأخر … يا بويّ ع المغرب عود. يشيرُ الرجلُ لزوجتهِ بيده: ادخلي جوه .. عدُّه البرد لفح الصغير، و سكري الباب منيح

بادرهُ أبو زيد قائلاَ: يصبحك بالخير يا خويّ. و يمضيان بصمتٍ .. لا يقطعه سوى صوتٍ لاهثٍ قادمٍ من الخلف, اذ به عجوزٌ قد تجاوَز الثمانين من العمرِ، و قد أمسكَ بإحدى يديهِ كيساً بلاستيكياً أسودَ اللونِ ضمهُ الى صدرهِ بقوةٍ كأنما يخشى أن يطيَر مع الريح .همو يا شباب عسى الله ما يضيعه علينا من نهار .. قالَ العجوزُ الذي لم يتوقف عن الدعاء. ركبوا الحافلة التي امتلأت مقاعدها بالرجالِ النصفِ نيام. بزغَ أولُ سيفٍ لنورِ الصبحِ …. لمعَ على لوحةٍ صفراءَ فاقع ٍلونها كُتبَ عليها ( نقطة ايرز) و كتابة أخرى بالعبرية بنفس المعنى و ملاحظة تحتها بخطٍ صغيٍر( نقطةُ تفتيشٍ عسكرية). قرأَ اللوحةَ بعينيه و قلبهُ يرتجفُ، قطعَ أبو زيد أفكارهُ و مخاوفهُ قائلاً و يديه مبسوطتين بالدعاء: يا ربِ مثل ما وصلتنا بخير نعود لأهلنا بخير. التفتَ العجوزُ الى الشاب قائلاً: شكلك أول مرة بتيجي الناح. أومأ محمود برأسه… نعم …. نظرَ أمامه برهبةٍ …  يطالع ممراً من الأسلاكِ الحديديةِ الشائكةِ لا يتسع لأكثرِ من رجلٍ واحدٍ.. خطٌ مستقيمٌ .. لا شمالٌ و لا يمينٌ.. كأنه سورُ الصينِ العظيم .. رجالٌ من كلِ لونٍ و عمرٍ، كأنهم كلُ رجالُ الأرضِ، أنفاسهم ضبابٌ يلفُ الصبح . بدأ َالدفءُ يسري في أصابعهِ الزرقاء و لكنَ قلبهُ لا يزالُ يرتجفُ بين ضلوعهِ. صوتٌ أجشٌ .. اّتٍ من بعيدٍ يصرخُ اّمرا: هات هوية.. بطاقة وين .. ادفع رسوم دخول. صوتٌ اّخرٌ ليسَ أقلَ منه عنفاً: ارجع خلف .. دور يمين .. شيل الغطا عن وجهك . صوتُ همهمةُ غضبٍ وخوفٍ لفت الطوابيرِ المتتالية حينَ قالَ ثالثٌ لأحدهم: روخ بيت انت ما في شغل اليوم. رد عليه صوتٌ تعيسٌ مملوءٌ بالرجاءِ: بس اليوم  خليني أدخل.. و الله ما في البيت أكل للأولاد … اّخر شيكل معي دفعته أجرة الباص. نهره الجندي اّمراً: غبي ما بتفهم عربي بدك أحكي معاك عبري .. روخ بيت. دفعه جندي اّخر بقوةٍ و ألصقهُ بالسياجِ فانغرزت أشواكهُ في ظهر الرجل . نهضَ الرجلُ الذي لا يزال يستعطفُ الجندي الذي دفعه بقوةٍ بعيداً عن الممر. صاحَ أحد الرجال من بعيد: يا راجل روح لعيالك بخير .. بلاش يصير لك مثل ما صار لأبو اياد امبارح ، ضربوه لحد ما كسروا ظهره ، روّح و رزقك و رزقهم على الله. مضى السربُ الطويلِ يتناقصُ قليلاً قليلاً  .. و جاءَ دورهُ، تناولَ الجندي الهويةَ ثم الكرت الممغنط و وضعه في جهازٍ الكتروني متصلٍ بالكمبيوتر، قرأ البيانات.. ثم وقفَ تاركاّ الماوس , و نظرَ اليه من رأسهِ حتى قدميه كأنه يقيسه… و قال: أول مرة بتشرف هون؟ ….  أومأ الشابُ برأسهِ, فردَ عليه الجندي ساخراّ: أخرس … و لا ما بتعرف تحكي ،سمعني صوتك منيح. قال: نعم .نظر اليه الجندي بتشفٍ و سخريةٍ و نادى على زميلهِ على الشباكِ الاّخر و تبادلا الحديثَ بالعبريةِ بصوتٍ عالٍ… فعلا صوتُ الجنودِ الاّخرين بالضحك. أحسَ بالغضبِ .. و لكن احساسهُ بالألمِ و الضاّلةِ كان أكبر. شعرَ بيدٍ توخزُ خاصرتهُ , التفت و بادرهً أبو زيد بالحديثِ : ايش في يا راجل .. خير. عنّف الجندي أبو زيد و أمره بالعودةِ الى الطابور , هرولَ ابو زيد الى مكانهِ مسرعاً .. يعرف ما معني تهديد الجندي جيدًا

ختمَ أوراقهُ و دفعَ الرسوم.. و مضي يهرولُ خلفَ أسرابِ الرجالِ المسرعة . اتسعَ الممرُ فجأةً الى ساحةٍ كبيرةٍ … مليئةٍ بالرجالِ .. يزمجرون كأنهم ليوثٌ سجينةٌ , سوقُ .. سوقٌ عتيق .. و ما أشبهُ بسوقِ الرقيق. يدورُ المقاولون بين الصفوف ويختارون ما يريدون من الرجالِ لإنجازِ أعمالهم. انت تعال هون.. شو اسمك؟ كم عمرك؟ نظر اليه المقاول نظرةً فاحصة ًمن رأسهِ حتي حذاؤه النظيف اللامع ، شو كنت بتشتغل..؟رد محمود: لم أشتغلْ من قبل .. كنت أدرس. فتحَ الرجلُ بابَ السيارةِ و قالَ له : اركب. تبعه أبو زيد لينضموا الى الثلاثةِ الاّخرين الذين سبقوهم. جاءَ العجوزُ يرتجفُ ليفتحَ بابَ السيارةِ فنهرهُ المقاولُ قائلاً:عجوز انت خلاص رابش .. ما تنفع تشتغل. توسلَ اليه العجوزُ و هو لا زالَ يمسكُ البابَ بقوةٍ حتى عصاه الدمع: أنا بأضبِ العدةَ و أنظفها أحسن من كل الشباب. لم يعلقْ المقاولُ فدخلَ العجوز , و انطلقت السيارةُ تسابقُ طيورَ الصباح . لأولِ مرةٍ أراد أن يسأل .. لمَ وافقَ المقاولُ و سمح للعجوزِ بالركوب. تولى أبو زيد الاجابةَ عن السؤالِ الذي سألته عيناه . ما يغرك … ما هو طيب قلب و لا كرم .. الختيار صار له ثلاث سنوات بيشتغل عنده ، بس هاللئيم بيحب يسمْ بدنِ الختيار و بدنّا كل يوم. طأطأ العم أبو قاسم رأسهُ،  و رحلتْ عيناه.. حيثُ لا يعرف أحد. و فجأة هوتْ على كتفِ محمود يدٌ غليظةٌ أخرجتهُ من بحرِ التأملات. هلا أبو حميد.. وينك يا راجل.. الصوتُ ليس غريباً , التفت خلفه … هو .. ما تغير فيه سوى لونُ بشرته .. لقد حمصته الشمس ..و رأسه الأصلع و تساءل… و لكن أين ذهبَ شعرُه الناعم؟ ..و لكنه لا زال هو .… خالدٌ رفيقُ الدراسة حتى الثانوية العامة , تفوق هو .. و نجح خالد بدرجاتٍ ضعيفةٍ

ايش جابك ع حارتنا يا عيوني .. مثل ما بتقول الأغنية سألَ خالد؟ هزَ رأسهُ .. ليس لديه رغبةٌ في الحديثِ أو الاجابة. انبرى أبو زيد قائلا”: صحيح ليش الجنود كانوا بيتمسخروا عليك. تكفلَ خالدٌ بالردِ: يا سيدي الدكتور محمود أول مرة بيجي هالكار. نظرَ محمودُ مطالعاً تعابيرَ وجوههم.. فاجأه العمُ أبو قاسم قائلاً: يا بنيّ .. شايف هزلام .. أشار بيده عبر الشباك لرجالٍ يجلسون صفوفاً على قارعة الطريق , فيهم كثير زيك متعلمين جابتهم لقمة العيش و قلة الشغل. قطعَ أبو زيد الصمتَ بالحديث: هالولد ما راضي يصح و لا يتعافى , بلكي شوفته يا دكتور لما تفضي . علا صوتُ خالدٍ بالضحكِ و قال: أخونا مش طبيب و لكنه معاه دكتوراة ، ثم سأل خالد: صحيح أنت في ايش عملت الدراسة تبعتك؟ رحلت أفكارهُ الى الماضي .. الى مقاعد الدراسة .. مدارس الوكالة ……. الى المقاعد الخشبية المُكسرة و أسقفِ القرميد المتشققة .. ذلك يوم لا ينساه حينَ أنبَ مدرسُ الرياضيات خالدَ لكثرةِ مزاحهِ أثناءَ الدرسِ قائلاً: أنت واحد ما بدك تتعلم مع انه مخك نظيف.. ردَ خالدٌ يومها قائلاً: ايش عمل المتعلمين في غزة يا إما عواطلية …. أو عمال بالطورية. غضبَ المدرسُ و ثارَ في وجههِ: كلام فاشلين شوفوا محمود القدوة الحسنة للطالبِ المتفوق .. المستقبل قدامه نور. ردَ خالدٌ و قال: بنشوف و دولاب الزمن بيدور … والأيام بتكشف المستور

لِم َتذكر كلَ هذا الحديثِ الاّن … لا يدري!  توقفتْ السيارةُ و أشارَ المقاولُ : انزل … كله روخ شغله . تفرقوا بسرعة .. لكلٍ منهم عملٌ يعرفه .. و ظلَ واقفاً… نهرهُ الرجل: شوف خالد وين يسلمك شغل. خالد المدلل، وحيد أبويه مع خمس بنات .. لا يزال يذكرُ أنه لم يكن غنياً، و لكنه أكثرَ الأولاد مرحاً و شعبيةُ .. لم تتسخْ ثيابهٌ يوماً ، و لم تخلُ جيبهُ من النقود قط. نظرَ الى الحجارةِ علي كتفه مرةً بعدَ مرةٍ صاعداً و هابطاً للدرج الأسمنتي و قد غطى الأسمنت و التراب ملامحه كما ثيابه. تقابلت أعينهم المليئةُ بالأسئلةِ في مرةٍ، فقالَ له خالد : توفي الوالد .. و بعدين خواتي البنات …و مصاريفهم و أمي .. و بتعرف معاشِ الوالد الله يرحمه ما بيكفي .. و انتهى بيّ المطاف أشيل هاللبنات، و لكن انت ايش جابك ؟ خرجت الكلماتُ من فمهِ باقتضابٍ شديدٍ: سنة  و أنا بأدور على شغل… و الوالدة مريضة و ادخار الوالد ما بيكفي ثمن الدواء … حمل جردل الأسمنت بكلتي يديه و صعدَ الدرج

صحيح ما قلت لي ايش تخصصك؟ سمعت انك عامل تخصص دقيق و غريب سأل خالد!  نظرَ محمود الى الرملِ و الأسمنت و قال: جيولوجيا تخصص في أنواع التربة، أحسََ بغصةٍ خنقت الكلامَ في حلقهِ و بدمعةٍ حارت في عينيه تخفت مع حباتِ المطرِ التي بدأت تتساقط. خلصوا شغل بسرعة بعدين الأسمنت خربان … صرخَ المقاول. حانت ساعةُ الغداء .. جلسَ العمالُ تحتَ أعمدةِ الأسمنت على الرمالِ المبتلة ، تراصوا جنباً الى جنبٍ علَ الدفءَ يسري منهم و فيهم .. بدؤوا بفتحِ أكياسِ الطعام، و أخرجوا شطائرَ الفولِ و الفلافل و الجبن. صاحَ أحدهم : يا سلام على كباية شاي مزبوطة و صحن بيض مقلي و رغيف سخن . ضحكَ الجميعُ،  علقً أحدهم قائلاً: بتاكل المسا مع العيال و أمهم. كانَ العمُ أبو قاسم اّخَر الواصلين، أفسح الرجال المكان له، طوى عظاماً لا يكسوها سوى الثيابَ الرثةِ المبللة وفتحَ كيسه و أخرجَ رغيفَ الخبزِ، و فتحَ قطعة َقماشٍ بيضاءَ اللونِ، و تناول منها خيارةَ و حبةَ طماطم حمراء و بضعَ حباتٍ من الزيتون. بقيّ وحده … خجلاً ، التفتوا اليه مازحين : يا عم جديد ع الكار مش جايب غداه معاه . اقتطعَ كل منهم قليلاً مما لديه ليأكله, امتدت يد العم أبو قاسم المرتجفة بنصفِ الخيارة و قطعةً من الخبز: خذ يا ينيّ.. بكرة خلي المرة تحطلك كيس الغدا. صاح المقاول اّمراً اياهم : خلص شغل بعدين بتاكل في بيتك. نهضوا سراعاً و هم لا يزالون يمضغون الطعام ، و لا يزال العم أبو قاسم يربط الكيس على ما بقيَّ من رغيف الخبر و نصف الخيارة. صرخ الرجل في وجهه غاضباً : انت عجوز .. بكرة ما تيجي شغل .. انت خلاص رابش. زمجر العمالُ غضباً .. فاختفى الرجل بسرعة

أسرعَ أبو زيد و خالدٌ و حملا العجوزَ الذي لم تعد قدماه تحملانه من شدةِ الحزن , وقال أبو زيد: و لا يهمك يا عم يوميتك رايحة توصلك للبيت و احنا كلنا ولادك يا عم و رقابنا سدادة. بكى العجوزُ .. حتى بكتِ السماءُ لبكائهِ … فانهمرَ المطرُ سيلاً لم يتوقف. اّلمَّهُ الموقف حتي سال الدمع من عينيه .. شدَّهُ خالدٌ من الخلفِ قائلاً: لا تزيد عليه الهم , سحبه بعيداً .. و استطرد قائلاً: مات ابنه قاسم و ترك أطفاله الصغار و أصيب الولد الثاني في الانتفاضة برصاصةٍ في ظهرة فأصبحَ مقعداً و الإبنة الوحيدة تعمل خياطة لتعول أطفالها الصغار فلا يزال أبوهم في ظلماتِ سجون ِالاحتلال منذُ زمنٍ طويل .. الختيار هو العائل الوحيد لهم. نادى المقاول : المطر كتير، بكرة كمل شغل ….. كله روخ بيته .نطقَ أولُ المسرورين بالخبر : الحمد لله , وعدت الولد زيد أروح بدري و أتعشى معاه اليوم،  كل يوم بأروح و هو نايم، و يصحا ع الفجر في هالبرد علشان يسلم عليّ و يشوفني. فرحوا لفرحه ِركبوا في السيارة التي كان يتجاذبها الريحُ حيناً و المطرُ حيناً آخر. و بعد قليلٍ من الوقتِ التفت محمود الى الخلف فرأى العجوزَ غارقاً في نومٍ عميق. لحظه ُخالدٌ و قال : الله يعينه ما حد يصحيه لحد ما نصل نقطة ايرز. اقشعرَ بدنهُ لمجردِ ذكرِ الاسم ، و لكن خالداً هون عليهِ بأن الاجراءاتِ أسهلُ لدى العودة  

توقفت السيارةُ، و أشارَ لهم المقاولُ بالترجلِ بسرعة، و بدأ بإعطاءِ العمالِ أجرتهم، و جاءَ دورُ العم أبي قاسم .. ناداه الرجلُ غاضباً: انت عجوز اصحى خود أجرة …..و لكن العجوزَ لم يصحُ. تقدم اليه يدفعه بيدهِ… فإنكفأ العجوزُ على جنبهِ بلا حراك. اسرعَ الرجالُ .. عم أبو قاسم … لم يعد هناك عم أبو قاسم …… أفلَ مع الشمسِ التي غابت خلفَ السحبِ و توارتْ وراءَ ستائرِ المطرِ المنهمر. حملَ الرجالُ العجوزَ و أخرجوه من السيارة ِ… فوقعَ الكيسُ البلاستيكي من حضنهِ و سقطتْ كسرةُ الخبزِ و نصفُ الخيارةِ الباقي .. من بقايا رجلٍ ما بقي

صوتُ فراملٌَ قويةٌ.. و سيلٌ من الوحلِ التصقَ بوجوهِ الرجالِ و ثيابهم .. ايقظهم من ذهولهم و حزنهم. لقد ولي المقاولُ هارباً , حتي لا يدفعَ للمسكينِ أيُّ تعويضٍ عن سنينِ الخدمِة و الشقاء. تداركَ أبو زيد الموقف و قال: المهم الآن كيف نوصل المرحوم لأهله .. الله يعينهم على مصابهم. حملوه على رؤوسهمِ العارية علَ المطرَ يغسلُ ما علا قسماتِ وجههِ من الألمِ و التعب .. و ظلمِ البشرِ للبشر. تهدجَ صوتُ محمود بالسؤال لخالد: هل يمكنني الذهاب معكم. رد عليه: نعم

الأحداثُ كثيرة ُو متلاحقة. وصلَ الركبُ الحزينُ ..  صوتُ صراخُ الأطفالِ يبكون جدهم ، وشابٌ مقعدٌ يتوسلُ من يحمله ليقبلَ أبيه .. قبلاتِ الوداعِ الأخيرة .. و امرأة ٌفي الثلاثيناتِ من العمرِ تبكي و تنوح، كلماتُ العزاءِ و المواساة .. تتزايدُ مع تزايدِ الوافدين الى البيت. غادرَ ثلاثتهم .. خالد و أبو زيد و محمود … تركهم خالد أولاً قائلاً: أشوفكم بكرة ان شاء الله . بقي و أبو زيد يجران الخطى صامتين الى أن وصلا بيت أبو زيد. رأى الصغيرُ أباه فأخذَ يصرخُ في فرحٍ: يا مه .. أجى أبويّ .. احتضن الصغير أباه في فرحٍ و لهفةٍ , و لحظ الصغير شرودَ أبيه و عدمَ تفاعلهُ مع فرحتهِ فسأله في قلقٍ: يا بويّ .. انت كويس .. انت بخير .. ايش فيك. امسك بيدِ صغيرهِ، و اتجه الى داخل بيتهِ بعدَ أن سلمَ على محمود، و أغلقَ البابَ خلفه. وصلَ الى باب بيتهِ و فتحه .. أز أزيزهُ المعتاد .. أقبلتْ أمه مسرعةً وقد كسا القلقُ و الاستغرابُ وجهها: خير يا مّه ليش راجع بدري ؟ ما حصلتْ شغل … يا مّه انت بخير … تعبان .. بكرة بتصير أحسن . أضافت حين لاحظت شروده و حزنه: روح غسل لحد ما أحضر لك الأكل .. و بعدين روح نام. مشى يجرُ قدميهِ لا يدري أين يسير، جلسَ على فرشته الرطبةِ الباردة .. إتكأ َعلى الحائطِ المتقشفِ المتشققِ .. أغلقَ عينيهِ …. عساه ينسى أن هذا اليوم من عمره … و نام

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s