و تنسى كلَ الكلامِ، و كلَ الحواراتِ، و كلَ التفاصيلِ، و تبقى بعضُ كلماتٍ ترنُ في أذنيكَ كطنينِ النحلِ، توجعكَ حتى تجدَ لها صدىً و معنى. فقدْ قالَ أحدهمُ لصاحبهِ في ذلكِ المساءِ المفعمِ بكلِ الحواراتِ … التي دارتْ كسجالاتٍ و مبارزاتٍ، كانَ لزاماً أنْ يكونَ أحدهمُ … منتصراً … واحداً …. وغيرهُ لا أحد. كلُ ما بقيَ معي من أحاديثهم … جملةٌ واحدةٌ .. أو بالأحرى سؤالٌ واحدٌ، باتَ معي ليلتي … أصحيحٌ أنَ (كلَ ما خرجَ من الظلمةِ للنورِ فهو حي)؟ أكانَ المقصودُ بالسؤالِ …. الحياةُ و ارتباطها بالنورِ .. أم الظلامُ و علاقته بنهايةِ الأشياء و الموت
تراءى لي .. الحبةُ اليابسةُ في يدِ المزارعِ في وضحِ النهار و تحتَ ضوءِ الشمسِ … صماءَ ميتة، و لكنها حينَ غرست في ظلمةِ الأرضِ مدتْ ذراعيها، و اخترقتَْ التراب، و تنفستْ الهواءَ، و كبرت ورداً و شجراً، فالظلمةُ لم تعني النهايةَ هنا … بل كانت بداية ُالحياة
و تساءلتُ عمن فقدَ بصرهُ، و لمْ يعرفْ كيفَ يكونُ النورُ، و كيفَ تشرقُ الشمسُ، و يضيءُ القمرُ … أهو ميت ..لأنه حبيسُ الظلام؟ إنْ كانَ المقصودُ بالنورِ هو البصرُ و قدرتنا على رؤيةِ الأشياء، فذلك أمرٌ ليس له علاقةٌ بالحياةِ أو الموتِ … فكم من أحياءٍ مبصرين … أمواتْ، و كم من أمواتٍ ….. أحياءٌ يرزقون
لا زالَ طنينُ تلكَ الجملةِ … يتزايدُ، و بدأَ القلمُ يشعرُ بالدوارِ من كثرةِ ما دارَ بين أصابعي. و أحسستُ بيدي و قد أطبقتْ على القلمِ تستنهضهُ، و بدأتُ أستشعرُ بالكلمةِ تخرجُ مع التنهيدةِ الطويلةِ التي اخترقت ظلامَ حنجرتي، و أطلقتْ العنانَ للساني، و فتحت قضبانَ شفتيّ لأفرجَ عن الكلامِ ، وليطلقَ قلمي رصاصه، و يرغمَ الحروفَ على الإستسلام . وعلى الصفحةِ البيضاءِ كثيرُ من الكلمات خرجتْ من الظلماتِ الى النورِ … تقتلُ بعضهمُ و تهدي بعضهمُ حياة
Incredible