أخذتْ تتمايلُ يميناً حيناً و يساراً حيناً آخرعلى وقعِ الريحِ العاصفِ، و تناثرت أوراقها الصفراءَ و الحمراءَ و الخضراء مع المطرِ الذي نشرها أشلاءً على الأرضِ الرطبةِ الباردةِ. و بين حناياها التحفت العصفورةُ الصغيرةُ جناحَي أمها ترتجفُ و سألت : أمي هل ستنكسرُ الشجرةً؟ هلْ سيطيرُ بيتنا معِ الريحِ؟ هل سنموتُ من المطرِ أم منَ البردِ؟ أطبقتِ العصفورةُ الأمُ جناحيها المرتجفتين على الصغيرةِ بحبٍ و قالت: تلكَ سننُ الكونِ .. فهذا فصلُ الشتاءِ ،و العصافيرُ الصغيرةُ مثلنا لا تقدرُ على الهجرةِ و السفرِ الى أماكنَ أكثرَ دفئاً و أمنا. أعلمُ أنهُ شتاؤكُ الأول ،و لكن بعدَ حينٍ ستعتادينَ الأمر . قاطعتها الصغيرةُ و قدْ بدأتُ تنتفضُ من صوتِ الرعد ِالغاضبِ وأزيزِ الريحِ المتوعدِ المخيف: لماذا لا نعيشُ في بيتٍ من حجرٍ كما البشر.تبسمتْ الأمُ و قالت :تعيشُ العصافيُر على الأشجارِ لأن لها جناحين تطيرُ بهما من شجرٍ لشجرِ حتى تجدَ ما يناسبها من بيتٍ و مستقر. قالت ْالصغيرةُ: لم لا نتخذُ مكاناً يقينا الهواءَ و الريحَ و البردَ يا أمي.. بيتاً متيناً و صلباً؟ .. نظرت الأمُ في عينيّ صغيرتها التائهتين و قالتْ: خلفَ الجدرانِ المتينةِ و بعيداً عن الهواءِ و السماءِ و ما بها من ريحٍ و مطرٍ لا يوجدْ للعصافير بيتٌ… قاطعتها الصغيرة لم يا أمي؟ ردتْ الأمُ بلهجةٍ حانيةٍ لأنَ العصافيرَستفقدُ أغلى ما تملك ُو كل ما خلقت له .. الحرية يا صغيرتي…لن تستطيعَ العصافيرُ أن تفردَ جناجيها و لنْ تطيرَ. حين ذاك يسمى سجنٌ و قفصٌ .. وليسَ بيتاً… ولا مستقر