كنت في زيارة لبيت جدي حيث أمضيت ليلة من أجمل ليالي عمري و في صبيحة اليوم الثاني ذهبت مع جدتي الي الحاكورة لنطعم الحمام , ثم مدت يدها و تناولت بحنان زوجين من الصغار,فبدأت الام الحمامة بالهديل. أردت أن أسأل جدتي أتبكي الحمامة صغارها ؟.و لكن جدتي بادرتني بالحديت :سوف أطبخ لك الحمام المحشي اليوم, و هو عرض لا يقاوم ,فسكتّ و تناسيت السؤال. و مضى الوقت و قد عاد جدي من سوق فراس و معه كيسيين فسارعت أنا و فاطمة بنت خالتي لاستقباله. نزل من تلك التلة الرملية البيضاء -التي كانت قمة متعتي في الزحلق عليها – و قد احمرت وجنتاه و تصبب العرق من جبينه و كان صدره يعلو و يهبط مع كل خطوة ينزلها و كان جدي أبيض الوجه بشوش , لم أراه يوما الا مبتسما, تلمع عيناه كأنما النحل سكب فيهما عسله.تناولت فاطمة كيس و نظرت الي داخله و هتفت فرحا: فستق . تناولت الكيس الثاني و نظرت بداخله و لست أدري أطرت من الفرح أم قفزت: حلاوة شعر البنات , صرخت فاطمة من الفرح للخبر .عرفت أن جدي قد أحضر الفستق و الحلاوة لي و لفاطمة لأنه كان يعرف أننا نحبها. طبخت جدتي الأز و الدجاج و زوج الحمام الذي أصر الجميع ذلك اليوم أنهم يحبون الدجاج و يفضلونه على الحمام فأكلت زغلولة و احدة- فرخ الحمام- و اصرت جدتي أن يأكل جدي الثانية. و ما أن انتهينا من تناول الغذاء حتى سمعنا آذان العصر , و كنت أركض خلف جدي أينما ذهب لأستمع لحكاياته التي لم تنته عن السوق و الناس و كانت حكايات ممتعة و مضحكة. عاد جدي من صلاة العصر و كنت أنتظر بفارغ الصبر لآكل حلاوة شعر البنات الزهرية اللون المصنوعة من السكر . جلس جدي تحت شجرة التوت الوارفة الظلال و العصافير تغني كانها تزف عروس المساء. أحضرت جدتي الشاي و الكيسيين و اجتمع كل سكان المرج الأخضر خالتي و زوجها و ابناؤها و خالي و عروسه , و كل منا تملأ قسمات وجهه الفرح و الرضا. و فجاة أتي زوج من الحمام على غصن شجرة التوت و بدآ بالهديل. كان الجميع لا زالوا يتحدثون و يضحكون ,حين قطعت عليهم الحديث بسؤال جدي: جدي أيبكي الحمام اذا أخذنا صغاره؟ ضحك جدي كثيرا حتي احمر وجهه و أحسست بالخجل الشديد, و لكنه أمسك يدي ووضعها على كم ثوبه الأبيض و سحب كمه الى أعلى بيدي فكشفت عن جرح عميق في يده أقشعر له بدني و نسيت سؤالي و سألته: ماذا حدث ليدك يا جدي؟ قال: وقع ذلك العمود علي يدي و أنا أصلح الحائط و أشار بيده الي عمود حديدي بجانب الفرن الطيني في الحاكورة. ألو بكيت من الصباح الى المساء أكان ذلك يشفي الجرح أو يخفف الألم؟ سألني جدي. قلت: لا . قال: هي أقدار خلقنا و خلقت معنا , علينا الرضا بها ,و أن شكرنا أثابنا الله عليها و عوضنا خيرا منها. التفت جدي الينا جميعا كأنما غطانا بعباءة من نور و قال: اني لأظن أن هديل الحمام ليس الا حمد و تسبيح .أمسك جدي كفي المبسوطة و وضع فيها بعض من حبات الفستق المقشرة و سألني هل راودك السؤال قبل أم بعد أكل الحمام؟ علا صوت الجميع بالضحك ,فطار زوج الحمام.
زكرتيني في ستي ..مشايخ.. الله يرحمها لما كانت تاخدني معها في خان يونس نلف سوا وبعدين وفي اخر المشوار نروح عندكم عالبيت …يا الله…ما أحلى هديك الايام
شكرا يا سحر وسعيدة بزيارتك لمدونتي و أعتقد ان هناك قصص قصيرة ستحبينها مثل(يوم من الزمن الجميل- بكاء- اللحن المنسي – يوم من الواقع – بيت الياسمين) لأنها قصصص حقيقة لربما ذكرتك ببعص الناس من طفولتك. يمكنك العودة للتدوينات القديمة و ستجدينها.